مسرحيّة الحوار: العيال لم تكبر! - عرب فايف

0 تعليق ارسل طباعة

 

في مسرحية "العيال كبرت"، عندما قام الأخ المثقّف الجامعيّ "كمال" (الفنان أحمد زكي) بدعوة أشقّائه للحوار حول قضية والدهم "رمضان السكّري" (الفنان حسن مصطفى) الذي سيهرب من البيت مع شابّة صغيرة بعمر أبنائه ليتزوجها.. عوضاً عن كلمة "حوار" سمع الأخ الأكبر "سلطان" (الفنان سعيد صالح) كلمة "حمار"!

ـ "حمار.. حمار مين"؟!

لا نعرف هل هذا "الأفّيه" الذي يعود لعشرات السنين قد كان جزءاً من السيناريو الأصليّ أم أنّ الفنان "سعيد صالح" ارتجله من وحي الموقف.. الشيء الأكيد أنّ هذا الإفّيه اليوم يبدو موحياً وشديد الدلالة في ضوء السياق الحالي!

ـ "حمار.. حمار مين"؟!

طبعاً الحمار المنشود.. عفواً الحوار المنشود، لم يؤتِ أُكله في المسرحيّة، وقد شابته كلّ أنواع المنغّصات بسبب شقاوة الأشقّاء ومشاكستهم لبعضهم البعض، خاصة الشقيق الأكبر "سلطان" الذي كان جلّ همّه أن يحصل على "ربع جنيه ويمشي"!

المهم، الأخ المثقّف "كمال" عندما أُسقط في يده، وجد نفسه مضطراً لاستخدام لغة "الهجايص" حتى يستطيع أن يشرح الموقف وخطورته وأبعاده لأشقّائه:

ـ "أبوك حيسيب البيت يا معلّم سلطان.. هع هع هااااع.. البيت ده حيتطربق فوق دماغ أهالينا يا معلّم"!

كلمة "هجايص" هي الأخرى تبدو موحية وذات دلالة في السياق الحالي.

قد تكون اللقطة الأهم خلال هذا الحوار الأسريّ "الهجائصيّ" العجيب منظر الشقيق الأصغر "عاطف" (الفنان يونس شلبي) وهو يهزّ رأسه مُصطنِعاً الفهم، وعندما نهره شقيقه الأكبر "سلطان" سائلاً:

ـ "انت بتهز دماغك ليه ياد"؟!

أجاب "عاطف" بكلّ ثقة:

ـ "يا عمّي صلّي كلّهم بهزّوا كده"!

الفرق بين هزّة الرأس في المسرحيّة وهزّ الرؤوس هذه الأيام أنّ العيال في المسرحيّة كبرت وفهمت، بينما العيال هذه الأيام لا تكبر، بل تزداد ولدنة كلّ يوم، وكلما ذهب عيّل أتى الأعيل منه!

ليس الهدف من استحضار مشهد "الحوار" في مسرحيّة "العيال كبرت" التشكيك بأهميّة الحوار كفكرة أو كمبدأ، أو الانتقاص من قدْر وقيمة الأشخاص الذين يؤمنون بجدوى هذه الممارسة المدنيّة العصريّة المتحضّرة، فأمثال هؤلاء يستحقون أن يُطلق عليهم وصف "أجدع ناس" كما تشرحه الشقيقة "سحر" أو "سوسو" في المسرحيّة:

ـ "أبوها اسمه أجدع.. وجدّها اسمه ناس"!

الهدف من استحضار مشهد الحمار.. عفواً الحوار، هو التنبيه بأنّ هناك شعرة رفيعة تفصل بين الجدّ و"الهجايص" هذه الأيام، خاصة عندما يحاول البعض شرح وتبرير وتسويغ "هجايصهم" بنفس الطريقة التي حاول من خلالها "سلطان" تسويغ نيّة أخته "سوسو" احتراف الرقص في ملهى ليليّ:

ـ "بنتك ما شاء الله ما شاء الله.. حترقص ما شاء الله ما شاء الله"!

مدهش حجم الكوارث والموبقات والخيانات والعمالات والحماقات التي يمكن تسويغها من خلال إلصاقها زوراً وبهتاناً بمشيئة الله وشرع الله!

بعد أن أتينا على ذكر جلّ الشخصيّات في المسرحيّة، الإنصاف يقتضي أن نأتي على ذكر الشخصيّة الوحيدة المتبقيّة، الأم والزوجة المتفانية "زينب" (الفنانة كريمة مختار).

وهنا يستطيع القارئ أن يختار "الأفّيه" الأحبّ إلى قلبه والأكثر دلالة من بين أفّيهات ماما "زينب":

ـ "على رأي المثل.. الشرطة في خدمة الشعب"!

ـ "انت جيت.. شهقة.. يا رمضان"!

ـ "اتاريك لابس ومتشيّك"!

شخصيّاً أفضّل الإفّيه الثالث لأنّه يتناسب مع الذين يدخلون الحوار متنكّرين، أو يتزيّون بغير زيّهم، أو يُظهرون غير ما يضمرون من غايات وأغراض خبيثة!

طبيعة الفنّ المسرحيّ تقتضي أن يتمّ بناء جدار وهميّ رابع بين الممثّلين والجمهور حتى يتسنى للممثّلين أنّ يؤدّوا بتلقائيّة، وللمشاهدين أن يتابعوا باقتناع.

المؤسف في حوارات هذه الأيام أنّ الذي يفصل بين "الممثّلين" والجمهور ليس جداراً رابعاً وهميّاً، بل طابور خامس حقيقيّ!


إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق