نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
فاطمة عبد الواسع تكتب: اللصوص في وضح النهار ليس كل ما يسرق ملموس - عرب فايف, اليوم الثلاثاء 11 فبراير 2025 02:53 مساءً
حين نسمع كلمة “سرقة”، يتبادر إلى أذهاننا المال، الممتلكات، أو الأشياء الملموسة التي يمكن أن تُختلس خلسة. لكن هناك سرقات لا تحتاج إلى أقفال أو مفاتيح، ولا تحدث في الظلام، بل في وضح النهار، أمام الجميع، دون أن يُحرك أحد ساكنًا. هؤلاء اللصوص لا يمدون أيديهم إلى الجيوب، بل إلى ما هو أثمن وأعمق: الأحلام، المجهود، العلاقات، الأفكار، اللحظات، السلام، وحتى الهوية.
سرقة الأضواء والمجهود والحلم
هناك من يجيد الوقوف في المكان المناسب واللحظة المناسبة ليحصد الثناء الذي لا يستحقه. تعمل بجد، تسهر الليالي، تخطط، تبني، ثم يأتي شخص لم يبذل نصف مجهودك، لكنه يعرف كيف يخطف الأضواء ليصبح هو البطل وأنت مجرد تفصيل هامشي في القصة. هذه ليست مجرد سرقة، بل اغتصاب لحقك في التقدير.
أما سرقة المجهود، فهي من أكثر السرقات إيلامًا. أن تُنجز عملاً، تحقق نجاحًا، ثم تجد ثمرة جهدك تُنسب لشخص آخر، وكأنك لم تكن موجودًا. الأسوأ أن اللص لا يشعر بأي ذنب، بل ربما يُقنع نفسه أنه الأحق بالإنجاز، لأنه فقط كان أكثر جرأة في ادعائه.
لكن الأكثر قسوة هو سرقة الحلم. عندما تضع ثقتك في شخص، تتحدث عن طموحاتك وأهدافك، فتكتشف لاحقًا أن حلمك لم يعد ملكك، بل أصبح مشروعًا لشخص آخر. لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل ربما يضع العقبات أمامك ليمنعك من الوصول إلى حلمك بنفسك، وكأنه يحاول أن يمحو أثرك تمامًا من المشهد.
سرقة العلاقات
أحيانًا، لا تكون المشكلة في الأشخاص الذين نثق بهم، بل في أولئك الذين يراقبون من بعيد، يبحثون عن فرصة للتسلل إلى حياتنا. عندما تصطحب شخصًا إلى بيئة تعرفها جيدًا، تثق فيها، تجد أنه يبدأ تدريجيًا في استمالة من حولك، يقتنص الاهتمام، يخلق مساحات له حيث لا ينبغي أن يكون. فجأة، تتحول من شخص كان محور العلاقات إلى آخر مستبعد، وكأنك لم تكن السبب في هذه الروابط منذ البداية. والأسوأ أن بعضهم لا يكتفي بذلك، بل يغيّر الحقائق ليجعل منك العدو في نظر الآخرين.
سرقة اللحظات والسلام
هناك لحظات لا تتكرر، لحظات فرح خالص، إنجاز مستحق، لحظة هدوء نادرة. لكن هناك دائمًا من يتفنن في سرقة هذه اللحظات، بتعليق محبط، أو تصرف غير محسوب، أو إثارة مشاعر سلبية بلا سبب. فجأة، تصبح اللحظة التي كان يفترض أن تكون سعيدة، ناقصة، وكأنها لم تكن.
وسرقة السلام ليست أقل وطأة. عندما تكون راضيًا عن نفسك، هادئًا، متصالحًا مع ما لديك، يأتي من يجيد زعزعة هذا السلام. ربما بكلمات مشحونة، أو بمقارنات غير عادلة، أو بتذكيرك بما تفتقده بدلًا مما تمتلكه. هؤلاء لا يسرقون منك شيئًا ملموسًا، لكنهم يتركونك مثقلًا بأعباء نفسية لم تكن لك منذ البداية.
سرقة الوقت والهوية
الوقت من أثمن ما نملك، لكنه أيضًا من أكثر الأشياء التي تُسرق دون أن نشعر. قد يكون ذلك عبر محادثات لا طائل منها، أو مشكلات لا تعنيك، أو أشخاص يسحبونك إلى دوائرهم الخاصة بينما أنت بالكاد تجد وقتًا لنفسك. وفي نهاية اليوم، تكتشف أنك لم تحقق شيئًا، ليس لأنك لم تحاول، بل لأن وقتك لم يكن لك.
أما الهوية، فهي من أخطر ما يمكن أن يُسرق. ليس بالضرورة أن تفقد اسمك أو بطاقتك، فقد تُسلب هويتك حين يُفرض عليك كيف يجب أن تفكر، كيف تتصرف، كيف تعبر عن نفسك. شيئًا فشيئًا، تتغير، لكن ليس نحو ما تريد، بل نحو ما يريده الآخرون. وحين تدرك ذلك، قد يكون الأوان قد فات.
السرقة التي لا يُعاقب عليها القانون
هذه السرقات ليست موثقة، ولا يعاقب عليها القانون، لكن أثرها يبقى طويلًا. فالمال قد يُعوض، والممتلكات قد تُستعاد، لكن ما يُسرق من روحك، من أحلامك، من وقتك وسلامك، لا يُقدر بثمن. ربما لا نستطيع منع هؤلاء اللصوص من الوجود، لكن يمكننا أن نكون أكثر وعيًا، أن نحمي أنفسنا، وأن نختار بعناية لمن نعطي ثقتنا، وقتنا، وأسرارنا.
في النهاية، ليست كل السرقات تحتاج إلى أقفال، فبعضها يحدث أمام الجميع، بلا شهود، بلا أدلة، لكن بضحايا كُثر.
0 تعليق