التراث في أيدٍ أمينة - عرب فايف

0 تعليق ارسل طباعة

الشارقة: «الخليج»
تتمتّع إمارة الشارقة بشخصية ثقافية فريدة ورائدة تستند إلى تاريخ موغل في القدم، وماضٍ أصيل شكّل هوية الإمارة الحضارية، وحقق لها شهرة واسعة بوصفها مركزاً تاريخياً وتجارياً مهماً في منطقة الساحل العربي.
وأسهم الموقع الاستراتيجي الذي تبوّأته الإمارة في جعلها مركزاً اقتصادياً حيوياً، ولا أدلّ على ذلك في الماضي من تفرّع سوقها الرئيسي القديم، وتشعّبه إلى أسواق فرعيّةٍ عدّة، لكلٍّ منها اختصاصه بمقياس ذلك الزمان، وكانت تلك الأسواق من السّعة والتمركز بمكان، بحيث استغنى بها أهالي المناطق الأخرى عن إقامة أسواق كبيرة خاصة بهم، فكان كلّ من سكان الذيد والحمريّة والحيرة والفشت وفريج الشرق والخان والليّة وغيرها من المناطق التابعة للشارقة أو المحيطة بها، يأتون إلى هذه الأسواق للبيع أو الشراء، أو قضاء وقت ممتع في لقاء الناس.
في نطاق تلك المكانة التاريخية والأهمية التجارية، ظهرت في إمارة الشارقة العديد من المباني التاريخية القديمة ذات الجذور الحضارية الممتدة، التي تعكس محطات من التكوين التاريخي للإمارة، وكان لكل منها وظيفته ودوره في تاريخها، واستطاع البقاء بصورة ملموسة في مركز المدينة القديمة، وهي الفترة التي جعلت البنية الحضرية لمدينة الشارقة ذات سمة مميزة في دولة الإمارات.
وتوزعت المباني القديمة ما بين مبانٍ سكنية تمثّلها البيوتات العريقة التي سكنها الشيوخ وأعيان الإمارة، ودفاعية كالحصون والقلاع والأبراج والأسوار، وتجارية كالأسواق، ودينية كالمساجد.
ومع مرور الزمن وتقادم العصر، شهدت المباني التاريخية والتراثية الكثير من الإهمال والهدم الذي كاد يودي بها، ومنها سور الشارقة وحصنها، وعدد من المباني القديمة.
إعادة تخطيط
هكذا بدأت صورة الماضي تتوارى عن الأنظار وتنطمس ملامحها، والحيز القديم للبيوت والمساجد والأسواق والقلاع والحصون قد اقتسمته الطرق، وفرقته الدوارات والمباني الشاخصة، وأزيز الطائرات وصراخ المكيفات، حتى البحر هجرته المراكب، وعاد النهام ذكرى، واللؤلؤ ماضي أجداد، والهيرات قصص أطفال، وبدأ تراث الإمارة يتلاشى شيئاً فشيئاً في وقت لم تكن فيه مشاريع لحفظ آثار المدينة وتراثها، حيث تم هدم المباني القديمة التي تقع على شوارع رئيسة إجبارياً، وإرجاع حدودها إلى خط البناء المقترح.
وفي المرحلة النهائية من إتمام إعادة التخطيط لم يبقَ هناك سوى أملاك قديمة منعزلة، كما ستفقد المباني القديمة الباقية المنعزلة دورها الأصيل بعد أن رحل عنها سكانها الأصليون، وتركوها بلا عناية أو صيانة، مما سيؤدي، بالضرورة، إلى هدمها لتحل محلها مبانٍ غربية جديدة، ولم يبقَ من إرث الماضي معلم شامخ يؤدي دوره سوى المسجد.
حصانة المجتمع
في غمرة ذلك الواقع المدلهم، آذنت الخطوب بالرحيل وذلك ببزوغ نجم جديد يحوّل التوجه، ويوجه البوصلة نحو الوجهة الصحيحة، لينتشل تراث الإمارة من الهاوية، ويتدارك ما طالته معاول الهدم والتدمير، فكان صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، المنقذ والمخلص والسادن والحامي، الذي وعى مبكراً أهمية التراث وقيمته، وعلاقته بالهوية والأصالة بوصفه صمام الأمن والأمان، وحصانة المجتمع من الغزو والاختراق، ورائحة من الماضي الجميل والتاريخ الأصيل.
وساعد سموه في تعزيز هذا التوجه وترسيخ تلك الرؤية، بيئته وتربيته وقيم مجتمعه وتكوينه الاجتماعي والمعرفي، فنمَا إحساسه بالتراث ووعيه به، ثم استحال ذلك الوعي رؤيةً متقدة، وفكراً واعياً، وخطاباً واضحاً وشاملاً، ومنهجاً قويماً عكس لعقود متتالية جهود سموه في حفظ التراث، وتقديم الصون العاجل له، ورعايته والاهتمام به، وذلك ما يتجلى بشيء من التفصيل في كتاب «سادن التراث.. سلطان بن محمد القاسمي» لمؤلفه الدكتور مَنِّي بونعامه، والذي صدر عن معهد الشارقة للتراث، حيث يوثّق الكتاب الجهود القيّمة التي اضطلع بها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، في مجال حكاية التراث وصونه والمحافظة عليه من الضياع والاندثار، والتي جعلت تجربة الشارقة رائدة ومتفردة في المجال، بل تفوقت على جهود دول العالم التي وعت أهمية ماضيها، وقيمة تراثها، واعتنت بذاكرتها في عالمنا المعاصر، حيث أثمرت تلك الجهود تحويل إمارة الشارقة بمدنها كافة إلى واجهات جذب سياحي، ومراكز ثقافية وتراثية عملت على تنشيط السياحة التراثية في مدن الإمارة، حتى أصبحت بحق دوحة وارفة الظلال يؤمها السياح والمفكرون والخبراء من كل صوب وحدب.
سادن التراث
يتألف الكتاب من ثلاثة أقسام بالإضافة إلى المقدمة والخاتمة، ويتحدث القسم الأول عن سادن التراث صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، سيرته ومسيرته، ويبرز العلاقة بين تكوين سموه الاجتماعي والمعرفي، ودورهما في تشكيل وعيه وتوجيه رؤيته، وصقل مهاراته وقدراته، وتعزيز نظرته للتراث من خلال ما استقر في خلده وسرده في كتبه عن علاقته بالمكان والإنسان، وطاف الكتاب في عوالم التراث الثقافي في الشارقة بمكوناته ومكنوناته، وعناصره ورموزه كافة، بالمعنى والمبنى، كما وعاه سموه ووثقه، واستحضره واستلهمه ووظفه في كتاباته القيّمة التي جاءت مرآة عاكسة لماضي الإمارة العريق، وصورة حية كاشفة لتاريخها العتيق، لما اشتملت عليه من قصص وحكايات ومعانٍ ومفردات، ثم استعرض الكتاب الأطر المؤسسية والتشريعية التي أسهمت في حفظ تراث الإمارة من الضياع والاندثار، والمبادرات التي أطلقها سموه خدمة للتراث العربي والإنساني إلى غير ذلك مما يفيد في معرفة مسار تجربته وفلسفته ورؤيته.
ذاكرة الشارقة
تناول القسم الثاني من الكتاب، ذاكرة الشارقة وتجلياتها، مبرزاً علاقة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، بالمكان من خلال ما علق في ذهنه منذ نشأته وتكوينه، من حكايات شعبية، وعادات وتقاليد، وشواهد ومشاهد ومسميات أماكن، ومفردات التراث وعناصره ومكوناته من البر إلى البحر، ثم انتهاءً بالإشكال الجوهري والموضوع المحوري حول ذاكرة الشارقة في مهب الريح بعد أن طالت معاول الهدم بيوتها، وسامت معالمها القديمة لتُحيلها أطلالاً خاوية على عروشها كأنْ لم تغنَ بالأمس، وذلك اتكاءً على ما حوته المدونة التاريخية والسردية التي دبجها سموه، وأتحف بها المكتبة الإماراتية والعربية والعالمية.
سيرة المكان
استعرض القسم الثالث من الكتاب، «قلب التراث وشريانه»، وجال المؤلف في عوالمه، ووقف على معالمه، متتبعاً سيرة المكان منذ غابر الأزمان، راصداً التغيرات التي طالته بعد تنفيذ مراحل عمليات تخطيط مدينة الشارقة، ثم انتقل من الهدم إلى البناء، من خلال الاهتمام المبكّر الذي أولاه سموه للشارقة القديمة، والصون العاجل الذي قدّمه لها من خلال عمليات الترميم والحماية ضمن مشروعات الحفاظ، وإعادة الإحياء للذاكرة المكانية في الشارقة.
كما وقف المؤلف على المباني التراثية والمعالم التاريخية التي تم إحياؤها في قلب الشارقة والمنطقتين الوسطى والشرقية، والتي أسهمت في حفظ تراث الإمارة، وتحويلها واجهةً للجذب السياحي حتى غدت قبلة يؤمُّها كل وارد، وحوضاً ينهل منه كل قاصد. وأجمل المؤلف في خاتمة كتابه النتائج التي أسفر عنها المشروع التراثي الإحيائي لصاحب السمو حاكم الشارقة، ودوره في الحفاظ على تراث الإمارة، وصون هويتها وحماية آثارها، وتقدير ماضيها، وحفظ ذاكرتها التاريخية، وقد تُوجت تلك الجهود بتسجيل معالم الشارقة التاريخية والتراثية على قوائم منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو) للتراث الإنساني، مثل حصن الشارقة، وقلب الشارقة، وحصن الذيد، والقائمة في زيادة مطردة، فضلاً عن الألقاب والتسميات التي أصبحت علماً على الشارقة البارقة.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق