تاريخ محفوظ لوطن محظوظ برجاله.. - عرب فايف

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
تاريخ محفوظ لوطن محظوظ برجاله.. - عرب فايف, اليوم الخميس 23 يناير 2025 11:08 مساءً

في صحائف تاريخ هذا الوطن المعطاء، وذاكرته المحتشدة بالبذل والوفاء، سطور مضيئات لرجال قدموا وأعطوا وما استبقوا جهدًا، في سبيل رفعة الوطن، وتأكيدًا لصادق ولائهم لقيادته الرشيدة في تعاقب عهودها الزواهر، وهي سطور حق وصدق، ينبغي أن تظل قرينة بالموثوقية العالية، غير قابلة للتحريف بالنقص أو التزيّد، ومع توفّر حسن الظن عند البعض بدافع المحبة في التزيّد والمبالغة، فإنّه حريّ بمن يملك الحقيقة أن يجهر بها لا أكثر، صيانة للتاريخ من أي منقصة تعروه.

وصلتني ملاحظة من أحد موظفي مؤسسة النقد العربي السعودي القدامى يشير فيها إلى أنه قرأ في وسائل التواصل الاجتماعى ما فحواه أنّ معالي الشيخ محمد سرور الصبّان -رحمه الله- والذي كان وزيرًا للمالية خلال الفترة من 1373 هـ إلى 1377هـ، له توقيع باسمه على أوراق العملة النقدية، بجانب توقيع محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي آنذاك، والتي أصبح اسمها اليوم البنك المركزي السعودي..

وطلب مني تصحيحًا لهذه المعلومة، صيانة للتاريخ وأرفق معها عدة أوراق ومستندات للدلالة على توضيحه مثبتاً أن الإصدار الأوّل للعملات الورقية النقدية الرسمية كان بموجب نظام النقد الصادر بالمرسوم الملكي رقم 6 بتاريخ 1 رجب 1379هـ، في عهد الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- وطُرِحت للتداول بتاريخ 1 محرم 1383هـ وشملت وقتها خمس فئات، هي: المئة ريال، والخمسون ريالًا، والعشرة ريالات، والخمسة ريالات، والريال الواحد. وعند صدورها لم يكن معالي الشيخ محمد سرور الصبان رحمه الله وزيرًا للمالية فقد غادرها في نهاية العام الهجرى 1377، ومنذ ذلك العهد استمر سك وطباعة الريال السعودي، وتتابعت إصداراته مع كافة ملوك المملكة العربية السعودية، فمن باب حفظ الحقوق وقراءة التاريخ الصحيح، فمعالي الشيخ الصبان لم يكن له توقيع على أي أوراق نقدية للعملة السعودية التي صدرت بعد وزارته للفترة المذكورة.

وإن إيراد هذا التصحيح المهم، لا يقدح على الإطلاق، من قريب أو بعيد، في سيرة ومسيرة معالي الشيخ محمد سرور الصبّان -رحمه الله- المحتشدة بعطاء جدير بنا أن نقف عنده وقفت تأمل واستذكار، فهو علم من أعلام المملكة، أدباً وخلقاً وعِلماً بعصامية مطلقة كانت له أدواره المتعددة في كلّ تاريخ الوطن، فسما علوًّا بوافر عطائه الثر، فكان فرقدًا لاصفًا في فن الإدارة، وسهيلًا سامقًا في التميّز الأدبي والفكري، ورمزًا عصيَّ المثال في قيمة التواضع.

شخصية وطنية نادرة، جمعت بين العلم والأدب والإدارة ومكارم الأخلاق، كما أنّه من قامات الوطن التي يُفخر بها، خلّد التاريخ اسمه وأعماله وأدواره الوطنية المتعددة، له الكثير من القصص التي تؤكد علو جانبه في صنائع المعروف والإنفاق والخير والإحسان.

كان قصره الكبير في مكة المكرمة بمنطقة اسمها «أم الدرج»، قبلة لكل محتاج وصاحب حاجة، يقضيها لهم دون منٍّ أو أذى.

بدأ حياته موظفًا في بلدية مكة المكرمة، حتى أصبح نائبًا لها، كما تم اختياره في أول مجلس شورى سعودي، بعد توحيد المملكة على يد مؤسسها -طيّب الله ثراه- ليكون أمينًا عامًا للمجلس، وعند إنشاء رابطة العالم الإسلامي تم اختياره ليكون أمينًا عامًا للرابطة في مكة المكرمة، في أصعب مرحلة واجهتها الأمة الإسلامية، ولحظتها تجلّى دور المملكة باعتبارها مركز العالم الإسلامي.

ومن ملامح سيرة معالي الشيخ الصبّان كذلك أنه تولى منصب وزير المالية إبان الفترة من 1373هـ إلى 1377هـ، فجعل من الوظيفة التي يقوم بها ويؤديها جزءًا أصيلًا من روحه، اندمع فيها بكلياتها، مستشعرًا روح المسؤولية في أقصى تجليات التضحية والإيثار، مجسّدًا روح الإسلام الحاضة على الإتقان، فمن يعمل عملًا عليه أن يتقنه، على هذا أتى عطاؤه قرينًا بشخصيته المتفردة، فإذا نظرت إليه أدركت للحظة أن ثمة تماهيا كبيرا بين هذه الشخصية والوظيفة التي يشغلها، فما أعظم النفس حين تسمو بالعطاء، وما أروعها حين تجسّد القدوة سلوكًا وانضباطًا.

وما أجدرنا بالحفاوة بها والإعلاء من صيتها إلى عنان السماء. أشرف على الإذاعة فمنحها الكثير من الدعم المادي والمعنوي وأسس أول مكتبة في مكة المكرمة، كان أديباً مفوهاً عالماً ألف أول كتاب بعنوان (أدب الحجاز) جمع فيه أدب شباب الحجاز شعرها ونثرها وقد ضم الكتاب تراجم موجزة ونماذج من الشعر والنثر لعدد من الأدباء والشعراء.

كما أصدر كتابًا آخر جمع فيه جملة من الآراء والنصوص النثرية في اللغة والأدب تحت عنوان (المعرض)، حرص فيه على مناقشة قضية أدبية كانت مطروحة على الساحة آنذاك فحواها هل من مصلحة الأمة العربية أن يحافظ كتابها وأدباؤها على أساليب اللغة العربية الفصحى، أو يأخذوا برأي العصريين في تحطيم قيود اللغة، والسير على طريقة حديثة عامة مطلقة.

صفوة القول ومحموده إن لمعالي الشيخ الصبّان تاريخًا ناصع البياض، مليئًا بالإنجازات، عاصر نشوء الدولة السعودية منذ البدايات، وشهد تطورها العظيم على يد أبناء المؤسس الكرام، وعمل مع ملوكها بكل جد وإخلاص، وترك سيرة عطرة للأجيال يقول الشافعي قد مات قوم وما ماتت فضائلهم وعاش قوم وهم في الناس أموات!

رحم الله ملوك هذا الوطن ورجاله الذين أدوا الأمانة على وجهها الأتم، وصولًا إلى هذا العهد الناصع الذي نتفيا ظلاله الكريمة؛ عهد سلمان الحزم والعزم، وولي العهد الأمين برؤيته الباذخة، لوطن يعلو ويتطور ويعيش جودة الحياة.


إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق