نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
انتخاب جوزاف عون رئيسًا ينهي الفراغ القاتل... من ربح ومن خسر؟! - عرب فايف, اليوم السبت 11 يناير 2025 07:08 صباحاً
قُضي الأمر، وانتُخِب جوزاف عون رئيسًا للجمهورية، بأغلبيّة وازنة وصلت إلى 99 صوتًا من أصل 128، لكنّها احتاجت إلى سنتين وشهرين لتنضج ظروفها، و12 جلسة "استعراضية" أضيفت إليها دورة أولى من جلسة "جدّية" يتيمة لتكتمل معالمها، وفضلت بينها متغيّرات دراماتيكيّة على الساحة اللبنانية، توّجتها الحرب الإسرائيلية الأخيرة، التي تكاد تكون "نقطة فاصلة" بين مرحلتين ومقاربتين "متناقضتين" للرئاسة.
صحيح أنّ جلسة الانتخاب الحاسمة لم تكن "ورديّة"، وقد أحاطت بها الكثير من الوقائع "الجدلية"، بدءًا من حركة الموفدين الدوليين التي سبقتها، وجولاتهم المكوكية بين القوى السياسية والكتل النيابية، التي حوّلت جلسة الانتخاب إلى ما يشبه "التعيين" كما كان يحصل في مراحل سابقة، وصولاً إلى الإشكاليات القانونية والدستورية، التي أحاطت بانتخاب قائد الجيش وهو لا يزال في سدّة المسؤولية، الأمر الذي كان يتطلّب تعديلاً دستوريًا لم يحصل.
إلا أنّ الصحيح أيضًا أنّها وضعت حدًا لفراغ رئاسي مدمّر وقاتل أثقل كاهل الدولة، ولو أصبح "سمة ثابتة" بين عهدين رئاسيَّين، والصحيح أيضًا أنّها فتحت نافذة أمل على مستقبل أفضل، ليس فقط على وقع الوعود الإيجابية التي حملها الرجل في خطاب القسم الذي أدلى به من مجلس النواب، ولكن أيضًا للبديهيات التي يفترض أن تترتّب على إنجاز الاستحقاق، وعلى رأسها إعادة الانتظام للمؤسسات الدستورية، وبالتالي إنها حالة الشلل القائمة منذ سنوات.
بهذا المعنى، يمكن القول إنّ مجرّد انتخاب الرئيس، بمعزل عن كل التفاصيل والحيثيات، هو بمثابة "ربحٍ صافٍ" للجميع، لكن ماذا عن موازين الربح والخسارة في السياسة، بنتيجة المعركة التي استغرقت أشهرًا طويلة وأطلِقت خلالها الكثير من المعادلات؟ وانطلاقًا من ذلك، هل يعكس انتخاب جوزاف عون فعلاً "انتصار" فريق على آخر، كما حاول البعض الإيحاء، وإلى أيّ حدّ يمكن القول إنّه يعكس تحوّلاً نوعيًا في السياسة، داخليًا وخارجيًا؟.
صحيح أنّ كلّ الأفرقاء "هلّلوا" لانتخاب جوزاف عون رئيسًا، باستثناءات قليلة، إلا أنّ الصحيح أنّ طريق الرجل إلى قصر بعبدا لم تكن مفروشة بالورود أبدًا، بل إنّها بدت في الكثير من محطات الشغور "مسدودة بالكامل"، بنتيجة اعتراض صريح من "التيار الوطني الحر"، ولكن اعتراضات ضمنيّة من قوى أخرى، تشمل "الثنائي الشيعي"، ولكن أيضًا "القوات اللبنانية"، التي كانت قبل يومين فقط تشترط ترشيح "الثنائي" له، حتى "تنظر في أمر" دعمه.
بالنسبة إلى موقف "الثنائي"، يميّز العارفون بين موقفه "المتشدّد" قبل الحرب الإسرائيلية على لبنان، وما ترتّب عليها من متغيّرات، وموقفه "المَرِن" إلى حدّ بعيد بعد هذه الحرب، والذي مهّد الطريق "بالتدريج" إلى الموقف "الداعم" للرجل في الدورة الثانية من الجلسة الأخيرة، في حركة "تكتيكية" أراد من خلالها تسجيل "إنجاز معنوي" إن صحّ التعبير، عبر القول إنّ أيّ توافق لا يمكن أن يكتمل من دونه، في رسالة "ضمنية" لمن يقولون إنّ نفوذه انتهى بالمطلَق.
يقول العارفون بأدبيّات "الثنائي" إنّ الأخير لا يُعَدّ من "الخاسرين"، فهو سجّل الكثير من النقاط في مرمى الخصوم، ولو ظاهريًا، في "مهلة الساعتين" بين الدورتين الأولى والثانية من الجلسة الختامية، علمًا أنّه لم يشهِر "الفيتو" في وجه قائد الجيش يومًا، بل كان دومًا يؤكد على علاقته المتينة معه، إلا أنه كان يعمل لإيصال مرشحه، أي رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، إلى أن تغيّرت المعطيات بعد الحرب، وأصبح إنجاز الاستحقاق أهمّ من تحقيق هذا الهدف.
ما يسري على "الثنائي"، لجهة الالتحاق بركب "التسوية"، ولو في ربع الساعة الأخير، يسري بصورة أو بأخرى على "القوات اللبنانية"، ولو أصرّ رئيسها سمير جعجع على الترويج لـ"انتصار" حقّقه بفوز جوزاف عون، باعتبار أنّه كان من المبادرين إلى تسميته قبل أن يرشّحه أحد، على الرغم من أنّ القاصي والداني يدرك أنّ جعجع لم يكن "متحمّسًا" له، خصوصًا في الآونة الأخيرة، حين اعتقد أنّ الفرصة متاحة له للوصول إلى بعبدا، وبدأ يعمل على ذلك.
ويقول العارفون إنّ البيان الذي أصدره جعجع قبل يومين فقط من جلسة الانتخاب يؤشّر بوضوح إلى أنّ "طموحه" كان في مكانٍ آخر، خصوصًا أنّه اشترط أن يعلن "الثنائي" و"التيار الوطني الحر" ترشيح قائد الجيش، لا ليعلن دعمه له تلقائيًا، بل لينظر في الأمر، وهو ما لم يحصل بطبيعة الحال، بدليل أنّ جعجع دعم في نهاية المطاف قائد الجيش، حين نزل "الثنائي" بالأوراق البيضاء، و"التيار" بأوراق "السيادة والدستور"، ما شكّل "خسارة تكتيكية" له.
من هنا، ثمّة من يرى أنّ "القوات اللبنانية" و"الثنائي الشيعي" يتقاطعون ضمنًا على مفهوم الخسارة "التكتيكية"، باعتبارهم أنّهم التحقوا بركب "التسوية" ولو متأخّرين، في حين أنّ خسارة "التيار الوطني الحر" في المقابل، هي خسارة استراتيجية، ولا سيما أن رئيسه جبران باسيل حوّل المعركة مع عون إلى "شخصية"، فبقي وحيدًا خارج التسوية، إلى جانب بعض النواب المستقلّين، الذين أراد أغلبهم "تسجيل موقف" متناغم مع الدستور، ليس إلا.
تنطوي وجهة النظر هذه على الكثير من الواقعية، بعيدًا عن البراغماتية التي حاول "التيار" أن يستظلّ بها، بحديثه المتكرّر عن التزام بالدستور، وعن رفضه أن يبدأ الرئيس العتيد ولايته، وهو يؤدي اليمين الدستورية، على مخالفة دستورية، ولا سيما أنّ خصوم "التيار" استرجعوا من الأرشيف واقعة تصويت "التيار" لصالح الرئيس السابق ميشال سليمان، بعد اتفاق الدوحة، علمًا أنّ الاجتهاد الدستوري كان نفسه، بمعزَل عن مدى صحّته من عدمه.
وإذا كان "التيار" حاول أن يسجّل "انتصارًا" أيضًا، من خلال الظهور بمظهر من يرفض "الخضوع" للضغوط الخارجية التي مورست على مختلف القوى السياسية، فإنّ ذلك اصطدم بنفي قياديّي "التيار" أنفسهم أن يكونوا قد تعرّضوا لأيّ ضغوط، ولو عزوا الأمر إلى أنّ موقفهم "معروف" سلفًا، بالنسبة إلى الموفدين العرب والأجانب، علمًا أنّ ما كرّسته جلسة الانتخاب هو أنّ "الوسطية" التي حاول "التيار" ركوبها في مقاربة الاستحقاق لم تكن مفيدة.
وإذا كانت خسارة "التيار" تشمل افتقاده لصفة "الناخب الأول" التي حاول باسيل أن يكرّسها لنفسه، بعدما اختار أن ينأى بنفسه عن الترشيح، فإنّها تتجاوز هذا البعد لتصل إلى كتلته النيابية، التي ظهرت "ضعيفة" بعدما تقلّص عددها إلى عدد أوراق "الدستور والسيادة"، ولم تعد تنافس على لقب "الكتلة الأكبر"، فضلاً عن خسارة من نوع آخر، كرّسها خروج أحد نوابه عن طوره، وتلفّظه بعبارات غير لائقة، أمام السفراء الأجانب، بمعزل عن الأسباب والدوافع.
في النتيجة، يمكن الحديث عن رابحين وخاسرين في ميزان الاستحقاق الرئاسي، بالمقارنة مع المواقف المتغيّرة على امتداد سنتين وشهرين، لكنّ الأهمّ يبقى تحويل كلّ هذا الرصيد إلى ربح صافٍ وكاملٍ للوطن، بعيدًا عن أيّ نكايات سياسية، يفترض أن يتّفق الجميع على أنّ الوقت ليس مناسبًا لها، فالمهمّ اليوم أن يتجاوز البلد كل التحديات، على وقع استحقاقات مصيرية، لعلّ "أثقلها" تحويل وقف إطلاق النار إلى وقف كامل للحرب، وهنا بيت القصيد!.
0 تعليق