وكان على امتداد الشارع يسارا تدخل الى شارع عماد الدين بصالات العرض المسرحي والسينمات الكثيرة المنتشرة فى كل شوارع وسط المدينة وما علمته فى كبرى ان كل شوارع مصر كان بها سينما ، وكانت اغلب دور العرض السينمائي والمطاعم ومحلات الاقمشة والمفروشات هي لليهود الذين كانوا مهرة جدا فى التجارة ، و المدهش ان فى هذا العام تحديدا شهد يهود العالم نبذا غير مسبوق ، إذ كان يتم محاربتهم من اغلب دول العالم وطردهم وتشريدهم ، بل انه اشيع ان "هتلر" قام بعمل محرقة لهم ، وطردوا من ايطاليا و النرويج ، بلغاريا ، أصبحوا مطاردين ومشتتين فى بقاع الأرض ، وكان وقتها يهود مصر يشعرون انهم مصريين حقا ، وكانوا خائفين جدا من ان يحدث معهم مثلما حدث مع اقرانهم فى البلاد الاخري ، ولكن كان الملك فاروق وقتها ، اه بالمناسبة الم اخبركم فقد كانوا يطلقون على أسم "فاروق" إذ أنني كنت اشبهه كثيرا فأصبح هذا اسمي الذى اسمعه لسنوات طويلة بعد ذلك ، تمهل الملك كما ذكرت فى التعامل مع يهود مصر ربما لانه كان لهم اقتصاد قوى او لأنهم لم يظهروا اي عداء واضح تجاه الدولة المصرية حينئذ ، أو لأن الملك لم يكن يدري بخططهم الذى اتضحت بعد سنوات طويلة من الأن ، كان عام 1943 هو عام اسود عليهم ، ولكن كان عام مليء بالأفراح ايضا ، فقد ولدت سندريلا مصر والعالم الجميلة "سعاد حسني " نعم أنني اكبرها بعام واحد فقط ، وكان ابي الروحى عمي "رضا" يصطحبني معه فى هذا العمر الصغير لمقهي صغير فى "حارة العطار " ليستمع الى "صييت " مطرب يحبه اسمه "عبد الحى حلمى " ولحديقة الازبكية كي يستمتع بمشاهدة وسماع "الست منيرة المهدية " ، نعم كانت هي "الست " قبل "الست ام كلثوم " وكان يأتي لها الجمهور من كل مكان فى مصر ويحب سماعها الاجانب الذين كانوا يعيشون فى مصر مع الاحتلال وقتها حتى وهم لا يفهمون كلمات اغانيها ولكنهم كانوا يحبون مشاهدتها وهي تغني ويعشقون موسيقاها ، اما "ماري جبران " فكان لها جمهور خاص يذهب اليها فى اي مكان تذهب اليه ، ويطلبون منها اغنية فى كل مرة وهى " ياللى هويت الفؤاد ارحم " وكانت تقوم بغنائها بصوت عذب لمدة تفوق الساعتين ، وهي التى تغنت باغنية "انا فى انتظارك " والتى ايضا تغنت بها ام كلثوم فيما بعد ولا يعرف الكثير ان "مارى جبران " هي من قدمتها اولا وكانت اغلب محلات السهر ومقاهي "الأنس" فى شوارع مصر القديمة يقوم بامساك الدفاتر والتذاكر بها غالبا من اليهود ،  وايضا كانوا يتحكمون فى عملية الانتاج السينمائي وكان اشهرهم المخرج الرائع "توجو مزراحي " ورغم أنه من اصل ايطالي ولكن التصق به التعريف على انه يهودي فى حين انه اكد مرارا وتكرارا ان اليهودية ديانته فقط وليست هوية وانه مصرى الهوى والعشق وكان هذا يظهر فى اغلب اعماله الذى قدمها للسينما المصرية ، فهو مخرج ومنتج وسيناريست ، يعد أحد أعمدة صناعة السينما في مصر ومكتشف المواهب الفنية التي أصبحت رموزا كبيرة للفن في مصر والعالم العربي حتى وقتنا هذا.

وتأكيدا على مصريته فقد ولد "توجو" بمدينة الإسكندرية 2 يونيو عام 1901 لعائلة يهودية حاصلة على الجنسية المصرية ، تلقي تعليمه بمدارس الإسكندرية حتى حصل على دبلوم التجارة الفرنسية، ثم سافر إلى إيطاليا عام 1921 ليكمل تعليمه في دراسة التجارة حتى حاز على درجة الدكتوراه، ثم انتقل إلى فرنسا لكي يزور استوديوهات السينما هناك .

في عام 1928 عاد توجو مزراحي إلى مدينة الإسكندرية، وقام بتأسيس شركة "الأفلام المصرية"، وفي عام 1929 قام بإنشاء استوديو سينمائي في "باكوس" وجهزه بكافة معدات التحميض والطبع وغرف الممثلين. فمعروف ان الاسكندرية شهدت أول عرض سينمائي في مصر في مقهى اسمه "زواني"في يناير 1896 م، وتبعه أول عرض سينمائي بمدينة القاهرة في 28 يناير 1896 م في سينما "سانتي"، ثم كان العرض السينمائي الثالث بمدينة بورسعيد في عام 1898 م. 

وظلت الافلام صامتة الى أن استطاع "توجو" تطويرها بعدما قدم أول أفلامه في القاهرة كان سنة 1930 وهو فيلم صامت اسمه "الكوكايين" وقد قام توجو ببطولة الفيلم باسم مستعار "أحمد المشرقي" خوفاً من غضب عائلته التي كانت تطمح إلى أن يستمر في العمل التجاري، وقد حقق الفيلم نجاحاً كبيراً ولاقى استحسان الحكومة المصرية وأرسل له حكمدار القاهرة الإنجليزي "رسل باشا" خطاب شكر عن صناعة هذا الفيلم الذي يعالج قضية اجتماعية خطيرة وهي الإدمان، وفي عام 1934 أصبح فيلم "الكوكايين" ناطقاً ومصحوباً بالموسيقى التصويرية.

في القاهرة كتب مزراحي وأخرج 19 فيلمًا ، كما أنتج عدداً آخر من الأفلام منها: "سلفني 3 جنيه، الطريق المستقيم، ليلى بنت مدارس، غفير الدرك، نور الدين والبحارة الثلاثة ".

من المحطات الفنية الهامة للمخرج الشهير تقديمه لشخصية "شالوم" الكوميدية في السينما المصرية في فيلم "خمسة آلاف وواحد" وتعد أول حضور قوي للشخصية اليهودية في السينما المصرية وتعكس حياة اليهود في مصر من خلال مواقف كوميدية تتعرض لها الشخصية، مؤكدةً على اندماج اليهود في المجتمع المصري في ذلك الوقت، وقد أنتج توجو وأخرج عدة أفلام تعتمد على نفس الشخصية ومن بينها "شالوم الترجمان" وفيلم "العز بهدلة" وفيلم "شالوم الرياضي" عام 1937.

يعتبر توجو مزراحي من اوائل المخرجين الذين استغلوا الثنائيات إلى السينما المصرية وذلك من خلال فيلم "المندوبان" الذي صدر فى عام 1934م بطولة الثنائي :فوزى وإحسان الجزايرلي:، وأيضا فيلم الدكتور فرحات الذى صدر عام 1935م. ارتبطت معظم الأفلام الجيدة التي صنعها توجو مزراحي بشخصية وأداء الفنان الكوميدي الراحل علي الكسار، والذي رأى فيه مزراحي نموذجا للشخصية المصرية النوبية خفيفة الظل، والتي حقق بها الكسار نجاحا مذهلا في المسرح، وهكذا كانت أفلام "ألف ليلة وليلة"، "علي بابا والأربعين حرامي"، "نور الدين والبحارة الثلاثة" هي نتاج هذا التعاون، وهي أفلام نعشقها جميها ونتابعها بشغف حتي يومنا هذا.

اكتشف مزراحي الفنانة "ليلى مراد" التي تعد أحد من أيقونات الفن السينمائي والموسيقي في العالم العربي حتى وقتنا الحالي وأخرج لها أفلام تعد من أهم علامات السينما المصرية: "ليلة ممطرة"، "ليلى بنت الريف"، "ليلى بنت الفقراء"، "ليلى بنت مدارس"، "ليلى في الظلام".

اهتم "توجو مزراحي" ايضا بإنتاج الأفلام الناطقة باللغة اليونانية والتي لاقت نجاحا كبيرا في دور السينما اليونانية الموجودة في مصر،  لأن مصر كما سبق وقلت لكم  في هذه الأوقات كان يعيش بها عدد كبير من اليونانيين، فعمل مع فرقة "أخوات كلتوس" وأنتج فيلم بعنوان "الطبيب إبامينونداس" وعمل أيضا مع "صوفيا فيمبو" .

يعتبر "توجو مزراحي" هو أول من أسس نقابة للسينمائيين وكان معه المخرج "أحمد بدرخان" ، كما قدم عددا من الأصوات الغنائية ومنها ليلى مراد، إبراهيم حمودة والثنائي حسين ونعمات المليجي وحسن صقر ومحمد عبدالمطلب وإسماعيل يس وزوزو لبيب وبهيجه المهدي.

في عام 1948 غادر توجو مزراحي مصر بعد أن اتهمه البعض بالصهيونية واستقر في إيطاليا وظل فيها، رافضا الذهاب إلى إسرائيل حتى وفاته 5 يونيو عام 1986. تاركا عددا كبيرا من الأفلام الناجحة والتي سكنت قلوب وذاكرة الجمهور حتى وقتنا هذا.

ولنعود الى عامي الثاني على الارض عام 1943 الذى شهد انتاج ما يفوق ال15 فيلم فى عام واحد وجميعهم عرضوا ما بين سينما "كوزومو " والكورسال " وبدأ ظهور انتاج لأستوديو مصر ، شركات توزيع مثل "بهنا فيلم " ونشط الانتاج السينمائي الفردي ، كل هذا له تأثير على وعي الطفل الذى يحدثكم الان "فاروق" نعم لي عامين فقط على الارض ، لكن فى عمر الحياة كان العامان هما قرنان ، في الوقت الذى ابكى فيه للحصول على رضعة او طعام رضيع ، كي اشبع وانام ، كان هناك حياة صاخبة فى الخارج ، وكانت السينما الذى تشكلت على حبها تجهز نفسها لاستقبال عقلي الصغير فيما بعد  ، فقد تم انتاج افلام "رابحة" اخراج نيازى مصطفي الذى كان زوجا لبطلة الفيلم "كوكا " التى تخصصت فى تقديم افلام "البدو" المصرية وكان الفيلم قصة وسيناريو وحوار محمود تيمور وبيرم التونسي وشارك كوكا البطولة "بدر لاما " وساحكي لكم عن بدر وشقيقه ابراهيم لاما فى المرة القادمة ، فقد كانا من أهم صناع السينما ايضا، وسراج منير وعباس فارس الذى كان عن حق فارس التمثيل فى الاربعينيات ومعهم بشارة واكيم وجويس جر.

وفيلم "بنت الشيخ " سيناريو وحوار و اخراج احمد كامل المرسي بطولة فتي الشاشة الاول "محسن سرحان " والراقصة هاجر حمدى والوجه الجديد يحيي شاهين وعباس فارس وبشارة واكيم وامينة نور الدين .

ولن تصدق يا اخي ان "امينة رزق " إله النكد عند المصريين كما كانوا يطلقون عليها زمان قد قامت ببطولة فيلم تاريخي وقدمت فيه شخصية "كليوباترا " ملكة مصر وكان يقف امام امينة رزق "بدر لاما " والفيلم اخراج شقيقه ابراهيم لاما ، ومعهم محمد الديب وبشارة واكيم وحبيب جاماتى ودرية احمد وزوزو نبيل 

وفيلم وادى النجوم يحكى ﺇﺧﺮاﺝ: نيازي مصطفي وتأليف احمد شكرى والسيناريو مقتبس من المنتجة والممثلة عزيزة امير وهي بطلة الفيلم امام محمود ذو الفقار وسراج منير ومحسن سرحان وفردوس محمد وبشارة واكيم نداء القلب  تأليف وﺇﺧﺮاﺝ  عمر جميعي بطولة امينة نور الدين ، وسميرة خلوصي ، ابراهيم حموة ، بشارة واكيم ، اسماعيل يس ، مني فهمي 
فيلم ماجدة  سيناريو وحوار  ، اخراج احمد جلال وبطولة مارى كويني التى اصبحت من اهم منتجات مصر وسعاد محمد ، محسن سرحان ، يوسف صالح ، ثريا فخرى ، عباس فارس 

فيلم البؤساء يتناول الفيلم معالجة مصرية مقتبسة عن الرواية الشهيرة (البؤساء) لفيكتور هوجو. يدخل الشرقاوي (عباس فارس) إلى السجن بسبب قيامه بالسرقة نتيجة لفقره الشديد وتتضاعف المدة نتيجة ثورته على الظلم. 

اخراج كمال سليم وتأليف محمد عبد الجواد واغاني بديع خيرى ، بطولة عباس فارس وامينة رزق وبشارة واكيم ، سراج منير ، عبد العزيز خليل ، لطيفة نظمى  فيلم يسقط  سيناريو وحوار وﺇﺧﺮاﺝ   ابراهيم لاما ، وبطولة سمراء النيل مديحة يسرى ومطرب الجيل ابراهيم حمودة ، ليلي فوزى ، فؤاد الرشيدى ، فاخر فاخر ، سلوى علام 

ومن الافلام الذى كانت تناقش عمل المرأة فيلم قضية اليوم امرأة تعمل محاسبة وتنشغل بعملها عن شئون بيتها وأسرتها، كما تهمل واجباتها تجاه زوجها الأمر الذي يشعر معه الزوج بالإهانة واهتزاز مكانته كرجل وكزوج، وعليه تنمو الخلاقات مع الزوج الذي يرفض عملها الذي تتمسك هى به بشدة. لكنها فى لحظة تكاد تفقد الزوج والبيت وتقارن بينهما وبين العمل.، بطولة جميلة الشاشة حينئذ عقيلة راتب ، وانور وجدى ، بشارة واكيم  ، عبد العزيز خليل ، احمد علام ، فردوس محمد ، عباس فارس ، قصة وسيناريو وحوار واخراج كمال سليم  فيلم الطريق المستقيم تأليف يوسف وهبي واخراج توجو مزراحي وبطولة امينة رزق .
من فات قديمه تأليف واخراج فريد الجندى ،بطولة ميمي شكيب ومارى منيب وفؤاد فهيم ، وحسن فايق ، عبد الفتاح القصرى، سامية جمال .
نداء الدم بثينة سكرتيرة رجل اﻷعمال شوقي، ترفض الارتباط به لأنها تحب قريبها عادل، مما يثير غيرة شوقي فيدبر له مكيدة تؤدى إلى سجنه لسنوات ويقرر الانتقام من شوقي بعد خروجه من السجن. قصة وسيناريو وحوار السيد زيادة وابراهيم لاما وبطولة واخراج بدر لاما وروحية خالد 

وفى عامى الثانى ايضا على الارض ظهر فتي الشاشة الوسيم الوجه الجديد ببطولة مرة واحدة وهو الفنان حسين صدقي الذى بدا مشواره الفني ببطولة فيلم " العامل "تأليف محمد عبد الجواد ، وسيناريو حسين صدقي واخراج احمد كامل مرسي بطولة فاطمة رشدى التى قدمت معه اكثر من فيلم لانها من اكتشفته وانتجت له ، وزكى  طليمات ، عبد الحميد زكى ، عباس البليدى 
فيلم حب من السماء تأليف محمد كامل حسن المحامي وسيناريو عبد الفتاح حسن ، وبطولة نجاة على ، محمد امين ، الهام حسين ، حسين رياض  وشقيقه فؤاد شفيق ، ميمي احمد 

وقد تأسست سفارة لمصر فى "موسكو " وكان هذا حدثا عظيما ومنذ ايام اصدرت المؤسسة المصرية الروسية للثقافة والعلوم كتاب بعنوان "العلاقات السوفيتية المصرية 1943-1955 "، تأليف فلاديمير بيلياكوف أستاذ التاريخ العربى بمعهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية، وقامت بترجمته رانيا كامل ميخائيل، يتناول الكتاب فترة مهمة فى التاريخ المصري المعاصر، وهى التى شهدت نهاية عهد الملكية  فى مصر وبداية عهد ثورة 23 يوليو 1952م.

أما الاديب الشاب نجيب محفوظ فقد نشر رواية جديدة ضمن ثلاثيته التاريخية بعنوان "رادوبيس " وهي الرواية التى سوف اقرأها وانا فى سن العاشرة ، سوف نحكي عنه كثيرا وقت وصولي معكم لعمر العاشرة لانني الان عام 1943.

يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل