الإمارات.. فواحة العالم - عرب فايف

0 تعليق ارسل طباعة

تحقيق: أحمد صالح

تتخطى العطور مساحة الروائح وتُعدّ في أغلب المجتمعات العربية جزءاً أصيلاً من التراث والهوية، وتندمج الأصالة والحداثة في التاريخ والعراقة لتنثر مزيجاً من أحب «الجماليات» عبر العصور. ويعدّ السوق الإماراتي بمنزلة «فواحة كبيرة للعطور» في المنطقة والعالم، ويتميز بعنصر متفرد يتمثل في الجنسيات المتعددة التي تحتضنها الدولة، فتتعدد الأذواق، وهو الأمر الذي جعل صانعي العطور يفضلون السوق الإماراتي. العطور متاحة لكل الفئات من درهم واحد إلى 2.1 مليون درهم، وهو سعر أغلى عطر بيع في العالم وكان في دبي.
د. يوسف باي.. الملقب بطبيب العطور في هذا المجال، يمكنه صنع أي عطر، يستحضر كل الروائح التي تتخيلها أو لا تتخيلها وينقلها داخل زجاجة عطر.
يصنع نفس الرائحة التي يتخطى سعرها 2000 و3000 درهم، ويبيعها ب100 و150 و200 فقط.
يقول إن العطور ليست ماء وخامة، وإنما إنسانيات واجتماعيات، تسامح وصفاء، يتابعه 4 ملايين شخص على «إنستغرام» فقط بخلاف وسائل التواصل الأخرى، انطلق من سوق دبي إلى العالمية، جاء إلى الإمارات منذ 37 عاماً، هندي يتحدث العربية بطلاقة، يقابل زبائنه وموظفيه بابتسامة لا تفارقه، ليس لديه مستحيل في مجاله. يصنع أي روائح في الطبيعة، نباتات، فواكه، خضراوات، ظواهر كونية كرائحة المطر والسيول والسلوكيات مثل «الأدرينالين»، والعرق، والدم، ورائحة الرضيع في بداية أيامه، وروائح نكهات أشهر الأطعمة، ولا يخلو الأمر من روائح طريفة وغريبة.
يقول يوسف: «سعر العطر الغالي لا يتوقف عند الخام أو العطر نفسه، وإنما يرتبط بنوعية العطر وبشكل العبوة، وما تتضمنه من معادن نفيسة ومجوهرات».
ويضيف: «العطر ليس مجرد زيوت أو عطور، بل تركيبة تتضمن مزيجاً من الثقافة والعلاقات الإنسانية والتواصل خاصة الأخوة».
ويقول: «أحرص على نقل الخبرة إلى الأجيال الناشئة، وتنمية حاسة الشم لديهم من عمر سنتين إن كانوا من عائلتي، ليصبحوا خبراء شم في مهنة يتوقف نجاحها على تلك الحاسة».
يوسف ورث المهنة عن والده، ولكنه ارتبط في البداية بمهنة التصوير الفوتوغرافي وجذبته الألوان في عالم الطبيعة، وتحول إلى قطاع العطور الجاهزة وخلطها، ثم اختار أن يتوجه إلى العطور ذات العناصر الطبيعية من هنا جاءت فكرة الخلط والتركيب.
أغلى عطر عنده ب250 درهماً ولهذا يشهد إقبالاً شديداً، خاصة لمن يريد أن ينتج لنفسه عطراً بمواصفات منتج عالمي يصنعه ب120 و150 درهماً وله نفس رائحة العطر الغالي.
ومن هنا نشأت فكرة توفير الماركات العالمية في العطور للفئات البسيطة، بدلاً من أن يشتري عطراً ب2000 درهم يمكنه أن يحصل على مثله ب100 درهم 100 و150 درهماً.
ويقول: «تخليط العطور سهل ولكن «العود» ممنوع لأنه إذا دخل عليه أي إضافات يفقد رونقه وقيمته». ويوضح يوسف: لا أضع أي اسم تجاري مشابه لأي ماركة عالمية على المنتج الذي أصنعه، وهناك حقوق ملكية فكرية أعلم مداها، أنا أركب شبيه العطر العالمي بسعر زهيد، وأحياناً عندما يأتيني فقير لا يملك سعر العبوة لا آخذ منه سعرها.
استعادة الذكريات
أحياناً توجد آثار العطر في الملابس ومع مرور السنوات يرغب شخص ما في الحصول على نفس العطر، لكنه ينسى اسمه، هنا يمكن ليوسف، بعد أن يشمه، إعادة إنتاجه مرة أخرى كذكرى طيبة.
العطر عند يوسف ليس مجرد خامة أو ماء، بل رسالة معناها مرتبط به أخلاق الإنسان والذكريات والمناسبات، وكيف يكون الناس مع ذويهم حتى بعد أن يفارقوهم.
والغريب عند يوسف أنه لا يتوقف عند هذا القدر، بل يمكنه أن يصنع عطراً لأي شيء موجود في الطبيعة، على حد وصفه، فكما يقول روائح العرق والدم وأغرب الروائح، والفاكهة والخضراوات والكائنات والمنتجات لها بلا استثناء، سواء كانت في المطاعم المشهورة أو التي تصنع كوجبات في البيوت، وروائح المطر، والتراب، وحتى رائحة الخوف، كل الروائح بلا استثناء يمكنه أن يصنعها في قارورة عطر.
سوق مميز
يقول يوسف: «السوق الإماراتي مميز، العطور متاحة من درهم إلى ملايين الدراهم، مستشهداً بأن أغلى عطر بيع في دبي «شموخ» ب1.2 مليون دولار للزجاجة، مؤكداً أن ميزة السوق الإماراتي هي أنه متفرد ومتنوع في العالم، فمثلاً تضم البناية الواحدة 20 و30 جنسية، فهكذا الحال في الإمارات سوق كبير متفرد ومتميز بتعدد جنسيته وأذواقه، وهذا التعدد، كما يقول، جعله ينتج منتجات عديدة، ويصدّر إلى الخارج، وكلها أمور تعتمد على الشم.
الحاسة الوحيدة
يقول يوسف: «معظم الحواس البشرية طورتها التكنولوجيا والكمبيوتر والذكاء الاصطناعي، فطورت الصوت، وتدخلت في البصر والرؤية واللمس والسمع، ولكنها لم تدخل بعد في الشم، فحاسة الشم ما زالت بعيدة ولا يمكن الشم عن بعد، حيث يحتاج إلى مسافة قريبة في أغلبه، وهذه الأمور عجزت عنها التكنولوجيا حتى الآن».
يوسف يستطيع أن يصنع العطر بمجرد أن يشمه، حتى إذا لم يكن يعرف اسمه، يتحدى ويقول: «سوف أصنعها وأستخلصها بروح الإبداع، أنا صانع عطور لأقصى قدر من الخيال».

«العود».. ثقافة وتراث

يقول حسين الزرعوني، رئيس مؤسسة «فوح العود»: «يُعَدُّ العود جزءاً أساسياً من الثقافة الخليجية، ويشهد سوق العطور في دول الخليج نمواً ملحوظاً، وفي الإمارات يُعدّ العود ودهن العود جزءاً أساسياً من التراث الثقافي. ويُستخدم العود بكثرة في مختلف المناسبات، وتُعدّ رائحته رمزاً للفخامة والكرم.

ويعدّ سوق العود في الإمارات من الأسواق الكبيرة والمتنامية، حيث تُعدّ الإمارات من أبرز الدول المستهلكة للعود على مستوى العالم.

وتوجد العديد من المحال التجارية المتخصصة في بيع العود ودهن العود في الإمارات، خاصة في أبوظبي ودبي والشارقة.

يضيف الزرعوني: «تتعدد أشكال العود وأسماؤه ومن أشهرها العود السيوفي، وتكون كسراته على شكل سيف، وهناك الكلاسيكي، وهناك عود «مانيبور» من غابات في الهند تحمل الاسم نفسه».

يشير الزرعوني إلى أن متوسط سعر 12 جراماً من العود يصل إلى 400 درهم، بينما الوزن نفسه من العود الصناعي لا يتعدى 60 درهماً، وللأسف، كما يقول الزرعوني، بعض التجار يغشون في الوزن، ويضعون العود في عبوات حديدية أو مواد تزيد من الوزن، وينصح بأن يتم الشراء من أماكن موثوق بها، وهناك عود محسن طبيعي جودته رديئة يضاف إليه بعض المواد وسعر الكيلوجرام منه لا يتعدى 2000 درهم.

وربما يصل سعر كيلوجرام من العود إلى 250 ألفاً و800 ألف درهم.

سوق العطور لا يشم الركود
يرى هيثم العشري، من «العربية للعود»، أن سوق العطور يشهد انتعاشاً كبيراً، وهناك العديد من التجار الذين غيروا أنشطتهم من الملابس وقطاعات أخرى في ظل تداعيات «كورونا» إلى تجارة العطور، لأن سوق الروائح والعطور لا يعرف الركود، وبدأت الشركات الكبرى تزيد من افتتاح فروعها في المنطقة وخاصة في الإمارات، لذا يشهد السوق نمواً متزايداً يحافظ على الجودة والمنتج، كما أدى تطبيق بعض التجار فكرة «اصنع عطرك في المحل» إلى زيادة النشاط في السوق الإماراتي الذي يعدّ نقطة ارتكاز عالمية، وبالنسبة لمنافسة المنتجات المحلية مع المستورد، تستحوذ المنتجات المصنعة في الإمارات على حصة كبيرة من السوق.
ويؤكد العشري أن الشركات العالمية تأتي بكثافة إلى الإمارات نظراً لبيئة العمل الجاذبة والدعم من الدوائر الحكومية، وتسهيل حركة الشحن.
ويقول العشري إن 60% من المشترين سيدات، وهناك عطور شهيرة يتم تسميتها على اسم شخصيات، وهذا يلعب دوراً كبيراً في ترويجها، وما زالت العطور تعتمد على مكونات التصنيع الطبيعية، مثل المسك والصندل والعود العنبر وورد جوري، ويعد عنبر الحوت من أغلى العطور في العالم، وكذلك دهن العود.
ويضيف العشري: «يفضّل المستهلكون منتجات النظافة الخالية من الماء، والتي تقلل من الروائح الكريهة، ويفضلون العطور المصنوعة من مواد مستدامة، مثل حبوب الفانيليا والبلسم وزيت الحمضيات وغيرها، لتجنب الصداع واضطرابات العين والأذن بسبب استخدام المواد الكيماوية». وفي الآونة الأخيرة، زادت شعبية عطور الجيب والعطور الصغيرة الحجم، لأنها سهلة الحمل ويمكن استخدامها أثناء التنقل.

4000 عام من الروائح
يرجع تاريخ العطور و«الكولونيا»، كما كانت معروفة منذ القدم، إلى 4000 سنة، ويعدّ حرق البخور كأول استخدام للعطر في العالم، في فترة حضارات بلاد ما بين النهرين. ولهذا السبب فإن أصل كلمة Perfume يعود إلى كلمة Fume التي تعني الغاز والدخان.
واستخدامات المواد العطرية، كحرق البخور والأعشاب، للطقوس الدينية كانت شائعة بين قدماء المصريين، واستخدموا حرق الصمغ والنباتات الجبلية في البيوت.
وكانت أرقى العطور تضم 16 مكوناً أبرزها صمغ من عدة أشجار وعشب السرو (نوع من العشب العطري) والنبيذ والعسل والسرو الجبلي والزبيب.
واستفاد الكريتيون والفينيقيون من خبرة المصريين في صناعة العطور ونقلوها إلى اليونانيين
وفي الإمبراطورية الرومانية، أبدى النبلاء والعائلة المالكة اهتماماً خاصاً بالترف واستخدام العطور، فقد صنعوا شلالات من ماء الورد.
وكان العالم المسلم ابن سينا أول من ابتكر تقطير الورد، بينما حصل على زيوت عطرية.
ويعد عصر النهضة فترة رئيسية في تاريخ العطور، لأنه يمثل بداية الروائح التي أخذها الأوروبيون من العرب مثل العنبر أو الياسمين أو الفانيليا أو الكاكاو أو الفلفل أو المسك.
وأصبحت البندقية وفلورنسا من بين مراكز تصنيع العطور الشهيرة في إيطاليا.
وعلى الرغم من أن فرنسا لم تكن الدولة الأولى التي تم فيها صناعة العطور واستخدامها، فإنها أصبحت منتجة لأفضل وأشهر العطور في العالم.

50 مليار دولار حجم السوق العالمي
بلغ حجم سوق العطور العالمي 50 مليار دولار في عام 2024، ومن المتوقع أن يقفز إلى 77 مليار دولار بحلول 2035 بمعدل نمو سنوي 55%.
تسيطر دول أمريكا الشمالية على سوق العطور بحصة سوقية 35% في 2024، وبلغ حجمه في الولايات المتحدة 23 مليار دولار.
وينمو سوق العطور مدفوعاً بالاعتماد المتزايد على العطور القائمة على التركيبات الفاخرة.
ووفق أحدث البيانات يستحوذ قطاع التسوق عبر الإنترنت على 40% من المبيعات العالمية.
ويجذب سوق العطور في العالم العربي شريحة كبيرة، إذ يبلغ حجم السوق في الشرق الأوسط 5 مليارات دولار، ومن المتوقع أن يزيد إلى 8 مليارات دولار بحلول 2030.
وبحسب بيانات «جلوبال ميديا هيست»، بلغ حجم سوق العطور في دول مجلس التعاون الخليجي 3 مليارات دولار في 2024، وبلغت إيرادات سوق العطور في الإمارات 142 مليون دولار، ويبلغ حجم السوق في دبي ما يعادل 21 مليار درهم.
وتعد فرنسا موطناً لأشهر شركات العطور. حيث يوجد فيها مدينة العطور، وتملك حصة سوقية تزيد على 30% من إجمالي العطور المصدرة عالمياً في 2024.
أغلى 5 أنواع  خلال العام الماضي
كشف تقرير نشره موقع «بيزنس داي» عن أغلى وأفخم العطور في العالم.
1- «شموخ»: 1.29 مليون دولار
تعد عطور «شموخ من نبيل» الأغلى في العالم، وهو عطر للجنسين يجسد التفرد والأناقة وروح تراث دبي، وبيع هذا العطر الفاخر ب1.29 مليون دولار، في زجاجة كريستالية سعة 3 لترات ومزينة بالفضة النقية والذهب عيار 18 قيراطاً وأكثر من 3571 حجراً كريماً.
2- «جولدن ديليشس» من شركة «DKNY»: مليون دولار
3- «أوبرا بريما» من «بولغاري»: 235 ألف دولار
4- «باسنت جاردنت الأول» لكلايف كريستيان: 228 ألف دولار
5- «ماجستي إمبريال الأول» لكلايف كريستيان: 215 ألف دولار
صُنع على يد صانع العطور البريطاني روجا دوف في عام 2006، وتم إنشاء 10 زجاجات فقط من العطر الذي يبلغ وزنه 16.9 أونصة.
أدب معطر
1. رموز للثراء والفخامة
في رواية «الإخوة كارامازوف» لفيودور دوستويفسكي، كانت الروائح الفاخرة تستخدم لتسليط الضوء على الوضع الاجتماعي للشخصيات ومكانتها في المجتمع. كانت عطور الورد والمسك والعنبر تُستخدم لتأكيد تفوّق الطبقات الاجتماعية العليا وسحرها.
2. عواطف ومشاعر
في «العطر: قصة قاتل» لباتريك زوسكيند، تلعب الروائح دوراً محورياً في السرد وتؤثر في الحالة النفسية للشخصيات. يمكن للعطر أن يكون رمزاً للرومانسية والغضب، أو الحزن، ما يعزز فهم القارئ للمشاعر التي تمر بها الشخصيات.
3. تحفيز الذكريات
 في رواية «بحثاً عن الزمن الضائع» لمارسيل بروست، تلعب الروائح دوراً مهماً في إثارة الذكريات واسترجاع الماضي. عطر معين يمكن أن يكون المفتاح لإحياء تجارب سابقة وذكريات عزيزة، ما يُعطي القارئ فرصة لاستكشاف كيفية تأثير الروائح في الذاكرة.
4. رموز للطبيعة والعالم الخارجي
 في شعر «أغاني العصور الوسطى» للشاعر الفرنسي فرانسوا فييون، يتم تصوير الروائح الطبيعية كرمز لجمال الطبيعة والخلود. الروائح من الزهور والأعشاب والأشجار تسهم في تكوين مشهد شعري يبرز العلاقة بين الإنسان والطبيعة.
5. تواصل بين الشخصيات
 في «رواية أنطوانيت» لفرانسوا رابليه، يُستخدم العطر لخلق اتصال بين الشخصيات والتعبير عن مشاعر الحب أو الكراهية. 
6. تعبير عن الحالة النفسية
 في أعمال مثل «العشاق» لجورج سانتيانا، تُستخدم الروائح لتصوير المشاعر الداخلية للشخصيات وتقديم رؤى عميقة حول حالتها النفسية. الروائح قد تعكس التوتر أو الاسترخاء أو حتى الاضطراب العاطفي.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق